خصخصة التعليم في المغرب – نظام تعليمي متعدد السرعات ومجتمع مستقطب
بقلم خديجة عبدوس
تلخّص هذه المدوّنة بعض النتائج الرئيسية التي تمخضت عن التقرير البحثي الذي نُشر مؤخراً تحت عنوان خصخصة التعليم في المغرب – نظام تعليمي متعدد السرعات ومجتمع مستقطب، حيث تحدّد الإتجاهات والمظاهر الراهنة لخصخصة التعليم في المغرب. كما أنّها تعد فُرصة لتوفير مسارات عمل مُحتملة يمكن أن يعتمدها المغرب لتحسين نظام التعليم في البلاد.
تهميش التعليم الحكومي في ظل الخصخصة المتزايدة للتعليم
بات النهج التعليمي القائم على السوق يستحوذ بشكل متزايد على أنظمة التعليم في جميع أنحاء العالم والمغرب ليس إستثناءاً من هذه الحركة الرامية إلى الإصلاح التعليمي. ففي واقع الأمر، إتّخذ المغرب زمام المبادرة في عملية خصخصة التعليم مقارنةً بالدول المجاورة مثل الجزائر وتونس، لاسيمّا في المرحلة الإبتدائية. وقد ظهر عدد متزايد من المدارس الخاصة في البلاد منذ عام 2000 خاصة في المناطق الحضرية الكبيرة.
ومع ذلك، فإنّ اتجاهات الخصخصة في المغرب تعود إلى العام 1983، وذلك عندما تبنّت الحكومة برنامج التكيّف الهيكلي. وقد فتح هذا الباب أمام المشاركة المتزايدة للمؤسسات المالية الدولية مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي في القرارات المتعلقة بالسياسات مما أدّى إلى إنخفاض دور الدولة في تقديم الخدمات الإجتماعية الحيوية مثل التعليم. هذا وتتماشى الخصخصة بشكل جيد مع السياسات النيوليبرالية التي سادت خلال تلك الفترة والتي لا تزال سائدة حتى اليوم.
نفّذت الحكومة إصلاحات تعليمية متعددة منذ العام 1957 عندما كانت هناك محاولة “مغربة” وتوحيد نظام التعليم المغربي بعد الإستقلال. وقد توجت هذه الإصلاحات في الرؤية الإستراتيجية 2015-2030، والتي تنصّ بشكل واضح وصريح على أنّ التعليم الخاص هو شريك للتعليم العام من حيث التعميم وتحقيق العدالة. ومع ذلك، فإنّ أحدث تقرير رصد صدر عن المجلس الأعلى للتربية والتكوين في البلاد، والذي يقيس التقدّم المُحرز من العام 2015 إلى العام 2018، يوضّح أنّ التقدّم بطيء للغاية وأنّ الرؤية الإستراتيجية للمغرب من غير المرجّح أن تحقّق الأهداف المتوخاة بحلول عام 2030.
أوضحت الجهات المعنية الرئيسية التي تمت مقابلتها خلال البحث، لاسيمّا نقابات المعلمين وممثّلي الأحزاب السياسية، بأنّ الإصلاحات التعليمية قد فشلت حتى الآن بسبب غياب الإرادة السياسية للإصلاح. وقد أدّى ذلك إلى الوضع الحالي للتعليم حيث تتدنى نوعية التعليم في المدارس الحكومية، وفي المقابل، يزداد الطلب على التعليم الخاص، ممّا يجعل العائلات تضطّر إلى الإستثمار في التعليم الخاص لأطفالها لعدم توفّر خيار أفضل من ذلك.
الخصخصة تزيد من عدم المساواة في فرص التعليم
تفتقر الدولة إلى رؤية واضحة حول دور القطاع الخاص في تحقيق العدالة، حيث يقدّم القطاع الخاص خدمات حصرية لأولئك الذين يستطيعون دفع التكاليف، في حين أنّ أكثر من 80٪ من السكان يتبعون نظام المدارس الحكومية التي تُعاني من الإختلال. وهناك أيضاً عدم مساواة ضمن المدارس الخاصة نفسها، حيث يلتحق طلاب الطبقة العليا والمتوسطة بالمدارس الفرنسية والمؤسسات الأجنبية والمدارس الخاصة ذات الجودة العالية نسبياً. لذلك فإنّ لديهم تجارب مختلفة في الحياة ويتعرضون لنظام قيم مختلف مقارنةً بالطبقة العاملة والطلاب الفقراء الذين يلتحقون بالمدارس الخاصة ذات التكلفة المنخفضة والمؤسسات العامة. وهذا يؤدي إلى تفاقم عدم المساواة في التعليم ويتعارض مع الهدف المُعلن المتمثل في الرؤية الإستراتيجية لبناء مدرسة تتمتع بالمساواة وتكافؤ الفُرص.
التنظيم المحدود للقطاع الخاص
لا تملك الحكومة سيطرة تُذكر على قطاع التعليم الخاص، حيث أنّ الرسوم الدراسية في المؤسسات الخاصة غير خاضعة للتنظيم ولا تتم مراقبتها على نحو منتظم. وما زاد الوضع سوءاً، هو وجود إستثمارات في قطاع التعليم الخاص غير المنظّم من قبل أفراد منحدرين من جميع مستويات القيادة في البلاد، ممّا قد يؤثر على رأيهم تجاه عملية الإصلاح التعليمي في البلاد. كما أدّى الإفتقار إلى إطار تنظيمي لمراقبة القطاع الخاص إلى زيادة مشاركة صناديق الإستثمار الأجنبية والجهات الفاعلة الدولية في نظام التعليم المغربي، وغالباً ما يكون ذلك لأغراض ربحية.
الخصخصة ومهنة التدريس
تفتقر مُمارسة مهنة التدريس إلى إطار قانوني وتنظيمي، حيث يعمل معظم معلمي المدارس الحكومية ساعات إضافية في القطاع الخاص للحصول على دخل إضافي. لذلك، وفي حين يتطور القطاع الخاص عن طريق المعلمين الحكوميين بشكل رئيسي، يسلب القطاع العام بدوره الإمكانات الكاملة لطاقم التعليم. وقد إزدادت الاخطار المحدقة بمهنة التدريس الحكومي أيضاً مع توظيف المعلمين المتعاقدين وظهور “التعليم للجميع” (منظمة تشغل معلمين متطوعين غير مؤهلين في المدارس الحكومية) وهو ما يزيد من تفاقم الوضع المُستنزف لمعلمي المدارس الحكومية.
التوصيات
إنّ الاستقطاب الاجتماعي الذي يعيشه المغرب اليوم ناجم جزئياً عن التقسيم الذي يشهده نظام التعليم المغربي، وهو نظام تعليمي متوازي متعدد السرعات بحيث يختبر الطلاب من خلاله قيماً مختلفة ويعيشون في “مغرب” مختلف ويسلكون مسارات مختلفة قد لا تتقاطع أبداً. ونتيجة لذلك، يتفاقم الظُلم الإجتماعي، ولم يعُد يعتبر التعليم حقّاً ومصلحة عامة يجب الحفاظ عليها وإنّما أقرب إلى سلعة تخضع للعرض والطلب.
من أجل التخلص من إستقطاب المجتمع المغربي، يتعين على الدولة القيام بالآتي:
- إعادة النظر في سياساتها التعليمية والعمل بنشاط على وضع رؤية أوضح لإصلاح التعليم بهدف إعادة توحيد نظام التعليم المغربي وتحقيق نظام يوفّر لجميع الطلاب المغاربة فُرص تعليمية عادلة؛
- وضع إطار تنظيمي متين لمراقبة قطاع التعليم الخاص؛
- إستعادة المكانة التي كان يحظى بها معلمو المدراس الحكومية من خلال توفير برامج تدريبية عالية الجودة للمعلمين والتطوير المهني المُستمر للمعلمين وكذلك تحسين وضعهم المادي.
ومع ذلك، لا يمكن لهذا أن يحدث في الوقت الذي يوجد فيه تضارب في المصالح بين ما هو منصوص عليه رسمياً حول الحاجة إلى إصلاح التعليم ومُمارسات القائمين على السلطة، والذين قد لا يأخذون في عين الإعتبار المصلحة العامة للمجتمع بأكمله.